ثقافة وادب وفنونسلايد 1
إيمان الطوخي.. فنانة أحبها الجمهور من ”النظرة الأولى”
أن تسأل مذيعًا عن الشخصية التي يحلم بأن يحاورها، فيجيب بإسم أحد رؤساء الدول، أو أحد كبار النجوم الحاليين، أو شخصية ما ثار حولها جدلًا واسعًا، في الفترة الراهنة، فذلك متوقعًا، بل وتقليديًا وعاديًا، ولكن أن يجيب إعلامي شاب، مثل محمد الدسوقي رشدي، على ذلك السؤال، خلال استضافته في الندوة التي أقامها موقع “إعلام دوت أورج”، باسم إيمان الطوخي، الفنانة المختفية عن الأضواء تدريجيًا منذ عام 1997، وتمامًا منذ عام 2003، فذلك يعيد الذاكرة لحنين خاص، عُرف مؤخرًا بـ”النوستالجيا”، لتلك الفنانة التي كانت أشبه بـ”الشمس”، بملامحها وجمالها الشكلي والعقلي، وفنها المنتقى، واختفائها المفاجئ، الذي وصفه “رشدي”، بأنه انسحابًا بهدوء، يليق بشخصيتها.
نرشح لك: 40 تصريحًا لـ”الدسوقي رشدي”.. أبرزهم عن حقيقة مكاسب شباب الإعلاميين
في منزل الفنان محمد الطوخي، جذبت أصوات مطربات الزمن الجميل، طفلته الصغيرة “إيمان”، المولودة في 11 يناير 1958، والتي فاجأته بأنها تحفظ الألحان بشكل لافت، وتغنيها باحترافية، وهي تدندن “يا أعز من عيني جلبي لجلبك مال، شاريك وشاريني ويش يعملوا العزال، يا أعز من عيني يا أعز من عيني”، لتكشف الستار عن موهبة يجب احتضانها وتنميتها بالتعليم، والتدريب، ونصائح أب فنان، وهو ما حرصت الطفلة على الاستفادة منه.
مرت السنوات، سنوات التدريب والتعليم والنشأة، والتحقت الشابة التي نشأت على أدوار والدها الفنية، في السينما والإذاعة، بكلية الإعلام، بجامعة القاهرة، عام 1980، واختارت قسم الإذاعة والتلفزيون، لتظهر خلال الأعوام الأربع للدراسة، موهبة أخرى وهي التمثيل، الذي بلورته دراستها للنقد والدراما في الكلية، وكذلك قراءتها في الدراما العالمية، لتحصل على لقب “ممثلة الجامعة”، وتتخرج منها وتبدأ حياتها الفنية كمطربة تغني موشحًا باللغة العربية، لعلها انتصرت من خلاله وقتها، على فشل قصة حبها الأولى التي لم تكتمل فبعد خطبتها من المخرج المسرحي فؤاد عبد الحي، خلال دراستها الجامعية، انفصلا بعد التخرج، لعدم التوافق الفكري للفارق العمري الكبير بينهما، لتغني منتصرة للحب، بادئة بذلك عصرًا جديدًا قائلة: “ما على العاشق في الحب ملامة، إن شكى يومًا لمن يهوى غرامه، فالهوى في القلب سر خالد، وله الدمع على الشوق علامة”.
بين الغناء والتمثيل، أدواتها للتعبير عن الإحساس، كما وصفتها، تنقلت، فتارة تصبح الممثلة إيمان الطوخي، في أعمالها الدرامية التي من أشهرها ”بوابة الحلواني” و”رأفت الهجان”، التي اختارت فيهما شخصيتين “مركبتين” على حد قولها، كتحدٍ منها لاختيار الأفضل، الذي يظل لسنوات عالقًا في أذهان المشاهدين، وكذلك في السينما، باختياراتها الدقيقة، في ”دماء على الأسفلت”، و”لا تدمرني معك”، بالإضافة إلى أغاني الأطفال التي بدأت شهرتها الفعلية من خلالها، من خلال نجاحها في فوازير “فطوطة”، ومن ثم أغنية “كوكي كاك”، وغيرها، وتارة أخرى تتحول للمطربة إيمان الطوخي بكلماتها المختلفة: “يا عيون يا مغرباني، عن أهلي وعن زماني، يا واخدانى ومسافرة، ما بين كل المواني، وديني ورجعيني، وقابليني وسيبيني، بحبك أيوه لكن، في ناس مستنياني”، التي صورتها كفيديو كليب.
بالرغم من نجاحها كممثلة، ومغنية تترات مسلسلات، بالإضافة لاهتمامها بالأطفال وأغانيهم، إلا أن نجوميتها الحقيقية بدأت في التسعينات بعدما ذاع صيتها بعد “رأفت الهجان”، حيث أحبها وقتها خطيبها الثاني الموسيقار محمد ضياء، الذي أحبها من النظرة الأولى، على حد تعبيره، عندما شاهدها أثناء تصوير أدوارها في ذلك المسلسل، ولحن لها الأغنية التي عبرت عن قصتهما “النظرة الأولى”، الأشهر لها على الإطلاق، والتي أصدرتها ضمن أغاني ألبومها الأول الذي حمل اسمها عام 1993، أي بعد ما يقارب من 10 أعوام، من قصة حبها الأولى، لتغني لخطيبها، الذي أحبها حبًا كبيرًا لسنوات: “أنا أنا من النظرة الأولى شوفت الدنيا بلون الورد، ولقيتنى بحبك مشغولة، وأنا قبلك ماعشقتش حد”، إلا أن ذلك لم يستمر طويلًا فبعد 3 سنوات خطوبة، فاجأت الجميع بفسخ الخطوبة، وعلل الملحن ذلك بعدها، بأنها كانت شديدة الحساسية والتأثر بكل ما يحيط بها، فكانت تدخل في نوبات اكتئاب متواصلة، لا تخرج منها بسهولة، بالإضافة لعدم رغبتها في الإنجاب، لجهلها بأساليب التعامل مع الأطفال، ولعله لخوفها من المستقبل، وهو القرار الذي أكد أنه ندم عليه كثيرًا، وحاول مرارًا العودة لها، وأن يُوسط أشخاصًا كُثر، في ذلك، إلا أنها رفضت ذلك تمامًا، لتنتهي ثاني قصص حبها.
بعد عامين ونصف تقريبًا، أصدرت “الطوخي”، ألبومها الثاني “ابتسملي”، والذي كان بتعاونها مع عمار الشريعي، الذي وصف صوتها بأنه “حساس، ويصل للجمهور بصدقه، فوقتما تغني بفرح يفرج الجمهور، ووقتما تغني بشجن يحزن معها، فهي فنانة حقيقية تستطيع أن تحدد متى تتكلم ومتى تصمت، متى تغني وماذا تختار”، ولعل ذلك يفسر سبب قلة أعمالها مقارنة بأبناء جيلها من الفنانين الآخرين، الذين سبقوها عدديًا، إلا أنها لم تكترث بذلك، فهي كانت حريصة على تنفيذ وصية والدها التي رباها عليها وهي “الالتزام”، حيث أكدت كثيرًا في حواراتها التلفزيونية، بأنه أخبرها أن الفنان التزام، فيجب ألا يتنازل أبدًا عن مستوى حققه، لمجرد الانتشار، والتزامه يجبره على الاختيار الدقيق، كي يستمر أبدًا وهو ما نجحت فيه بالفعل، سواء غنائيًا أو تمثيليًا، ولعل ما ساعدها على ذلك كما صرحت من قبل بأنها كانت تبعتد عن “التجارة”، فكانت تنتج أعمالها الفنية بنفسها كي لا يرغمها أحد على أن تسلك مسلكًا ليست راضية عنه.
نرشح لك: أين اختفى هؤلاء؟ (8).. إيمان الطوخي
“بحلم.. بحلم أحلام كتير، بحلم تكون أمير، بحلم والحلم دايما، أكبر من التصور.. بحلم.. بحلم ما تصحنييش، غير الأحلام ماليش، من يقدر في الزمان ده، من غير أحلام يعيش”، لعل ذلك الحلم الذي غنته في أحد أشهر أغانيها، كان ملخصًا لعدم زواج “الطوخي”، الذي كان شيئًا صعب التصديق على جمهورها، فكيف لـ”أيقونة جمال وذكاء ولباقة واحترام” مثلها، على حد وصف أحد المتصلات بها في مداخلة هاتفية لها مع الإعلامي عماد أديب، ألا تتزوج، ولعله أيضًا السبب وراء فشل خطبتيها، وعزوفها عن الزواج بعد ذلك بالرغم من هيام الفنان أحمد زكي بها، حسبما أشارت العديد من التقارير الصحفية وقتها، والتي رصدت حرصه على حضور كافة حفلاتها والجلوس في الصف الأول، في 1997، نفس الوقت تقريبًا الذي بدأت خلاله الإشاعات القاسية التي راودتها، بمحبة الرئيس الأسبق حسني مبارك لها، بل وزواجه وإنجابه منها، خاصة بعد قرارها منذ ذلك العام بالانسحاب من عالم الفن، خاصة بعدما التقط البعض نبأ حرصه على تهنئتها وتعبيره عن إعجابه بصوتها خلال حفلها مع الفنان الراحل سيد مكاوي، والذي غنت فيه أمام “مبارك”، وإخباره لها بأن بابه مفتوحًا لها دائمًا إذا ما احتاجته، وهي الإشاعة التي تجددت عام 2011، إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير، أي بعد ما يقارب 8 سنوات من قرار اعتزالها النهائي فنيًا عام 2003، والتي نفاها وبحدة، خطيبها الموسيقار محمد ضياء الذي حافظ على محبته لها طيلة كل تلك الفترة، بعدما حاول الوصول لها لمعرفة حقيقة ذلك الأمر، والذي نفته تمامًا له، كما رفضت الظهور في أي وسيلة إعلامية لإنكاره، مؤكدة أن الرد الصائب على مثل ذلك الكلام هو الصمت، ولعل ذلك نابع من قناعتها السابقة منذ كانت في الوسط الفني، حينما صرحت بأن أي فنان معرض للإشاعات لأنه تحت “الميكرسكوب”، ولا يستطيع أبدًا الهروب من تلك الضريبة التي يدفعها مقابل شهرته.
بالرغم من صمت إيمان الطوخي، على تلك “الإشاعات”، وابتعادها المفاجئ، تمامًا منذ عام 2007 عن الفن، والذي لم تبرره حتى، أو توضح أسبابه، فبعدما قررت ذلك، اختفت عن الأضواء، والشهرة، والإعلام، ولعل ذلك كان صادمًا لجمهورها، ولكنه ليس بالمثل لخطيبها السابق، وزملائها، حيث كانوا يوقنون أن تلك الخطوة قادمة لا محالة، فمحمد ضياء، أكد على أنها كانت تعاني كثيرًا من اختلاطها بالوسط الفني، حيث أنها لم تكن تشبهه، وكانت تحاول دائمًا اختيار طريقًا مختلفًا عن الكثير، ما زاد من معاناتها لإحساسها الدائم باضطهاد المحيطين لها، ما جعلها دائمة الإصابة بالاكتئاب والحزن الشديد، الذي وصفته في أغنية لها قائلة: “نضحك نخاف م الجاي، نبكي يهل الضي في قلب دمعتنا، عمرك قليل ياشموع، ودي بسمة ولا دموع، وإيه نهايتنا!؟”، لذلك قررت الحياة في هدوء، مع والدتها التي لازمتها لدرجة التوحد، حتى أنها كانت تنام وقتما تنام وتستيقظ وقت يقظتها، وسخرت حياتها لخدمتها دون التفكير في الزواج تمامًا لليوم.