ثقافة وادب وفنونسلايد 1

معلومات لا تعرفها عن إسماعيل يس.. ابنة “أبوضحكة جنان” التي لم يعرفها أحد.. حكاية “رقصة” لن تنساها سامية جمال في بيت كوميديان مصر

لواء محمد صالح مكرم، حفيدعائلة المناضل المصري «عمر مكرم»، وقت حكم المماليك والعثمانيين وأحد الشهود على صراع الاثنين على حكم مصر والمقاوم الشعبي، الذي حارب الغزو الفرنسي للبلاد ونقيب الأشراف بعدها.. يحمل اللواء طيار محمد صالح «الحفيد» زكريات ثرية عن فترة من أهم الفترات، التي عاشتها مصر، فقد كان زميلا في الصف لحفنة من أبناء حكام ومشاهير البلاد، ومنهم خالد جمال عبد الناصر وأبناء المشير عبد الحكيم عامر وأيضا الابن الوحيد للفنان إسماعيل يس وغيرهم ممن أثروا في تاريخ هذا البلد في كل المجالات.

ويسرد اللواء محمد صالح مكرم في (حلقته الثالثة) قصته مع السياسين وعمالقة الطرب، بدأ حديثه باسما وقال:
ابن اسماعيل ياسين الوحيد اسمه «ياسين»، وكان مختلف الشكل والبنية الجسدية، لأنني واخوتي كنا نملك اجساما رياضية وممشوقة، بينما كان ياسين “ملظلظ” وجسمه ممتلئ، ولذلك لم يكن له مكانا بسهولة بين نجوم المجتمع من ابناء القيادات ومشاهير المجتمع المصري وقتها، وهذا الموقف كان بين عامي 1959 و1960.

اللقاء الأول
كان العرف في هذا الوقت أن يقوم الأطفال باستئذان الأخ الأكبر لتكون صديقا لأخيه الأصغر، وفوجئت أن ابن اسماعيل يس يأتي ويطالبني بأن يكون صديقا لشقيقي الأصغر، ولم أكن اشعر به رجلا يعتمد عليه كما كنا جميعا بالطفولة، واعتبرته لا يصلح صديقا لي أو لأحد اشقائي، فغلظت معه في الأسلوب وقلت له: “لما ابوك يبطل يلبس مايوهات حريمي في الأفلام ويحط روج زي الستات وتسترجل كده ابقى تعال، روح مبنصاحبش حد ابوه ممثل”.

وكنا عصابة وقتها من أربعة أشقاء ونعتبر من أشهر الطلبة في المدرسة، ومشهورين بأصدقائنا أنجال كبار قيادات البلد من يوسف السباعي وجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر ورياض السنباطي، وانجال أعيان البلاد في هذا الوقت أيضا.

صدام وبكاء
الحقيقة أن “ياسين” سار بعيدا وظل يبكي، والبكاء ليس من شيم الرجال، حيث أخبرنا أهلنا بأن البكاء للفتيات، ولا يناسب الرجال، وكنا رجالا منذ الطفولة، ولا يصح أن نبكي، وبرغم أنه أثر في وهو يبكي إلا أن كلام والدي أطبقه، كما أنني لم أكن اجد فيه ملامح الرجولة المعروفة في اصدقائي وقتها.

وذهب ياسين اسماعيل يس إلى والده يشكوني، واخبر بعض الأصدقاء بأنه قال لوالده الفنان اسماعيل يس ما دار بيننا، وما كان مني من ألفاظ لا يجب التلفظ بها بحق والده، ولكنني لم اهتم، وكنت أعلم إنني على حق، حيث كنا نتربى على الأفلام الغربية الحربية وليس أي نوع منها، ونتشبه بأبطال هذه الأفلام في الشكل والملابس والتصرفات، فنشأنا على النماذج المقاتلة التي تتسم بالشجاعة والبسالة والتضحية من اجل الوطن، فكيف يؤثر في اسماعيل يس، وكان ابي اخبرني في السابق أن الأفلام العربية صنعت للفتيات، ولا تناسب الرجال.

يوم الآباء
فاتت الأيام وكان هناك احتفالا يجرى فعالياته كل عام في المدرسة ويسمى يوم الأباء، حيث يحضر الأباء ليشهدوا ما وصل اليه ابناءهم من تفوق في المواد الدراسية والخطابة والطلاقة في التحدث باللغة الانجليزية، ولهذا كان يوم الاباء من الأيام المفضلة لوالدي، حيث يشهد تفوق اولاده وسط أبناء قيادات مصر مثل خالد جمال عبد الناصر وجمال عبد الحكيم عامر وغيرهم من القيادات السياسية والحزبية في البلاد.

وكنت على المسرح اتحدث عن شكسبير بالانجليزية بطلاقة، وعيني على والدي الذي أراه فخورا بي، وكان يجلس بالقرب من عبد الناصر وبعض القيادات التي أتت بغرض مشاهدة العرض الطلابي حينها، واثناء وقوفي على المسرح لمحت عيني سيارة من نوع كاديلاك ولونها أسود، ولأني اعشق السيارات الفخمة منذ السغر لفتت انتباهي، ولم احول نظري عنها بسهولة، وهي السيارة التي وقفت أمام باب المدرسة، ونزل منها سائق يتميز بالأناقة، وذهب ليفتح الباب، فوجدت أن من خرج منها هو الفنان اسماعيل يس.

أناقة وعتاب
أناقة شديدة تميز بها الفنان اسماعيل يس الذي أتى ليشهد حفل يوم الآباء، وكان يرتدي معطف اسود باهظ الثمن، وبدلة أنيقة ووشاح ابيض طويل، أعطاه مشهدا مهيبا وهو يقترب من مكان وجود الاباء، وحتى انتهى أدائي على المسرح كنت اتابعه بنظري، ولاحظته حين توقف أمام عبد الناصر لالقاء التحية، وتقابل مع ابنه “ياسين” وطلب منه أن يشير إليه على الطالب الذي سبه وقال له أن ابيه يرتدي مايوهات حريمي ويضع مساحيق النساء في التبرج، فاشار له ناحيتي، وعرفت أنه يسأله عني لأنني شتمته.

ثم فوجئت بأبنه يشير إلى والدي وكأنه يدل أبيه اسماعيل يس على والدي ليشكوني، وبالفعل توجه اسماعيل يس نحو والدي، وطال بينهما الحديث لدقائق، ولأنني اعلم جيدا انني لست مخطئا فلم أهتم، ولكنني كنت اتابعه بنظري، وكان والدي شديد يتمتع بشخصية قوية وصارمة، لأنه يربيني وثلاث اشقاء، وهو يستلزم شدة من وجهة نظر المجتمع وقتها.

فوجئت بأبي يشير نحوي أن اقترب منه، وهنا أصابني الخوف الشديد لأنني اعرف أن أبي غاضب من ملامح وجهه، وحين اقتبرت قال لي: مين دا؟؟.. مشيرا نحو الأب، فقلت له انه الممثل اسماعيل يس، فقال لي: الفنان اسماعيل يس، الفنان حين يقوم بارتداء ملابس ومايوهات نسائية في الأفلام ويضع مساحيق تجميل يعني بيعمل “فيميل تايب” دا نوع من القدرات أو الامكانيات ولا يجب أن نسبه، لهذا الأمر أو نسخر منه”، ثم سألني: «أنت قلت عليه حاجة غير كده؟»، فقلت له: «يعني.. حاجة زي كده»، وكنت أخجل من ترديد أي كلمة في حضور والدي سبق وقلتها لياسين.

وطلب مني والدي أن اصافحه واعتذر، فتعجبت من أمر أبي الذي يكره الأفلام العربية ويصر على أن نشاهد أفلاما غربية، ولكني نفذت الأوامر، فطلب مني أن أعانقه، ووسط دهشتي لأن والدي أخبرني أن هذه الأفلام للخدامين وليست للرجال، عانقته، وقال لي: «احضن ياسين وعانقه أيضا»، ففعلت ولكن قلت له بنبرة خفيفة لأني مكنتش طايقه: «مش هارحمك.. هاطلع د… لما يمشوا»، وأصاب ياسين حالة من الخوف مني، وابتعد عن طريقي بعد دقائق من هذا اللقاء، برغم أن والدي أمرني بدعوته للمنزل لزيارتنا للتصادق والتعارف لاحقا.

شخصية اسماعيل يس
لم يكن اسماعيل ياسين هزليا في حياته العادية والخاصة على الإطلاق، وكل ما كان يقوم بتجسيده على الشاشة هو النقيض تماما من شخصيته الحقيقية، برغم نجاحه كممثل وكوميديان مصري خلده تاريخ الفن المصري، إلا أنه كان جادا وقوي الشخصية، وكانت له هيبة حين يدخل مكان أو على مجموعة من الأشخاص.

وكانت زوجته سيدة راقية مثل هوانم الزمن الجميل وكانت تدعى طنط زينب، وكانت تملك صالات جمنازيوم، وكانت ثرية جدا، برغم أن إسماعيل يس في حياته كان ثريا أيضا، حيث كان يملك فيللا ما زالت قائمة حتى الآن، والفيللا في منطقة العروبة وتساوي حاليا أكثر من 40 مليون، ولكنني لا أدري هل ما زالت ملك الورثة أم لا؟.

وكان ياسين ابنه الوحيد، ولديه إبنة بالتبني، وكان يقيم حفلات ضخمة لعيد ميلاد ابنه ياسين كل عام، ويقوم بدعوة كبار القيادات والمشاهير في البلاد لهذا الحفل، وكان عبد الحليم حافظ يأتي للغناء، وسامية جمال للرقص، وغيرها من كبار المطربين، كانوا يأتون علشان خاطر اسماعيل يس، الذي كان يتمتع بهيبة كبيرة بينهم في الوسط الفني.

التخرج
اتخرجنا من المدرسة، وكبر ياسين اسماعيل يس، ولم يشأ أو يستطع دخول كلية من الكليات المرموقة وفضل أن يكون مخرجا أو ممثلا مثل والده، ولكن الفارق بينهما كان كبيرا في كل شئ، حيث قام باخراج بعض الأفلام وانتج البعض وشارك في بطولة افلاما هزلية لم تلق نجاحا.

والمشكلة التي وقع فيها ياسين هي الزواج كثيرا، حيث كان يحب الزواج كثيرا من النساء اللاتي ينلن إعجابه، وكانت زيجته الأولى بالفنانة هالة فاخر، ولكنها كانت تكبره بحوالي خمسة أعوام، ولم تدم هذه الزيجة كثيرا، وظل يتزوج مرارا، ولم ينجب إلا طفلتين.
في عمر الشباب أصيب ياسين اسماعيل ياسين بالمرض الخبيث “سرطان الأمعاء”، وظل يتلقى العلاج سنوات، حتى توفاه الله في عام 2008 في أحد المستشفيات في اسبانيا.

إغلاق