الصحة والطب
وباء كورونا المستجد” كوفيد 19″ وإدارة المخاطر الاجتماعية (التجربة المصرية أنموذجًا)
وباء كورونا المستجد” كوفيد 19″ وإدارة المخاطر الاجتماعية
التجربة المصرية أنموذجًا
دكتور محمود عرابي
فرضت أزمة “فيروس كورونا المُستجد” (كوفيد-19) وضعًا غير مسبوقاً في المجتمعات الإنسانية. حيث انتشر في كافة أرجاء العالم وأصاب مئات الآلاف دون تمييز بين نوع أو جنسية أو فئة عمرية، وأودى بحياة الآلاف على مستوى العالم، فضلًا عن تأثيراته الاقتصادية والاجتماعية التي لم يستطع أحد حتى الآن إدراك كل أبعادها ومدى عمقها.
يعد فيروس كورونا المستجد من أخطر التهديدات البشرية في السنوات الأخيرة ، حيث أنها أزمة عالمية أدت إلى خسائر في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
وأثرت أزمة فيروس كورونا على كافة مقوّمات الحياة بالنسبة لجميع البشر في مختلف أنحاء العالم؛ حيث خلقت تهديدات واسعة النطاق بتأثيرات تتفاوت حدتها بين الدول؛ وفقًا لمستوى قدرتها على احتواء الأزمة، ومدى صلابة النظام الصحي العام بها، وكفاية مخزونها الاستراتيجي من الغذاء والأدوية، إلى جانب الآثار الاقتصادية من حيث توقف عدد كبير من القطاعات عن العمل، وما ترتب عليه من ترك ملايين الناس لوظائفهم.
وقد اختلفت التفسيرات حول أسباب انتشار وباء كورونا مابين؛ مخاطر خارجية وتتمثل في آثار بيئية على اعتبار أنه ليس من صنع البشر، أو أنه مخاطر مصطنعة (مخلقة) في حالة أنها حرب وبائية ضد العالم.
ومجتمع المخاطر (Risk Society) وفقا لرؤية ” إولريش بيك” هو مجتمع يواجه صعوبة في السيطرة على الآثار الجانبية للأخطار والوباء، وذلك لتعاظم انتشار هذه المخاطر (الوباء) وتزايد وتنوع تأثيراته على الحكومات والمؤسسات والأفراد.
كما تشير المخاطرة إلى احتمال أن يتعرض الإنسان للضرر أو الشر إذا تعرض للخطر، وتحسب المخاطرة في ضوء تحديد الخطر وحجمه ونطاق تأثيره وتحليل حجم المخاطرة التي يمكن أن يسببها
وتعددت أساليب سرعة انتشار وباء كورونا فيما يلي:
- سرعة انتشار الفيروس وانتقاله بعدة طرق ، وهو ما شكل صعوبة في تجنب آثاره على العديد من الفئات الاجتماعية، خاصة الفئات التي تتعامل مع الآخرين بشكل مباشر سواء في البيع والشراء أو المواصلات أو تقديم الخدمات للجمهور.
- عدم اتباع بعض الفئات الإجراءات الاحترازية ، وذلك إما استهتاراً او ضعف الوعي، والاتكالية، أو نتيجة الحرج الاجتماعي ، وهو ما ساعد على انتشار الفيروس.
- عدم الإعلان عن الإصابة لدى البعض، وذلك إما خوفًا من بعد الآخرين عنهم، أو خسارة مصدر الرزق عند العاملين باليومية، والأرزقية، أوالعاملين في المشروعات الصغيرة.
- الحكومة المصرية ومواجهة تأثيرات كورونا:
وبرغم أهمية نموذج إدارة المخاطر الاجتماعية كمدخل في فهم طبيعة السياسات الاجتماعية لأي مجتمع لمواجهة هذا الوباء وجدت الدول أنها تواجه خيارات صعبة بين مراعاة الجانب الإنساني واتخاذ إجراءات أكثر صرامة واتباع سياسات الإغلاق للحد من تفشي الوباء .
وفي إطار خطة الدولة الشاملة لمواجهة التداعيات التي يُخلفها “كوفيد-19″، واستنادًا إلى القانون رقم (156) لسنة (2002) بإنشاء صندوق إعانات الطوارئ للعمال، أطلقت الحكومة المصرية مشروعًا قوميًا “أهالينا” لدعم العاملين المتضررين من جراء الأزمة، سواء كانوا ضمن العمالة المُنتظمة أو غير المُنتظمة.
كما تم اتخاذ سلسلة من الإجراءات الوقائية الصارمة، تضمنت فرض حظر التجول في المساء، وتعليق حركة الطيران، وإغلاق المساجد والكنائس وتعليق الدراسة في المدارس والجامعات، وتقليل الكثافة بين العاملين وفي الأماكن الحكومية.
كما حاولت الحكومة احتواء الفيروس من خلال إجراء التحاليل وتعقب المخالطين، والعزل وتقديم العلاج، إلي جانب عدد من الإجراءات الوقائية التي تتضمن البقاء في المنزل والتباعد الاجتماعي (Distanciation Sociale).
أيضًا قامت وزارة الصحة بتخصيص خطوط ساخنة لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمواطنين خلال هذه الفترة ، والعديد من الحملات مثل حملة “احمى النفسية” تستهدف تفادي المجتمع الأثار السلبية للإجراءات التي اتخذت بشأن مواجهة فيروس كورونا مثل العزل والحظر لحماية المواطنين من المخالطة التى تتسبب فى انتقال المرض من شخص لآخر ، وأشارت إن التوجيه بالعزل المنزلي وعدم الخروج إلا للضرورة سيساهم فى تقليص الإصابات بفيروس كورونا.
ومن بين إجراءات الحماية الاجتماعية: حماية الموظفين عن طريق تقليل أعدادهم في أماكن عملهم سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، وتحسين المعاشات لضمان توفير مستوي معيشة مناسب لأصحاب المعاشات، فضلاً عن توسيع شبكة الحماية الاجتماعية لتشمل العمالة غير المنتظمة، هذا إلى جانب حماية الطلاب من خلال استخدام تقنيات التعلم عن بعد .
كما قامت الحكومة بتطبيق العزل الخارجي حيث يتم وقف تنقل البشر بين الدول لكي يتوقف استيراد وتصدير فيروس كورونا، وتمثلت في وقف حركة الطيران، وتوقف السياحة الخارجية.
كما قامت الحكومة المصرية لإعادة العالقين المصريين في الخارج إلى مصر من العديد من الدول، منذ بداية ظهور الجائحة، وتنظيم دخولهم الحجر الصحي لتلقي العلاج اللازم، والتأكد من عدم إصابتهم بالفيروس، بهدف الاطمئنان عليهم وإعادتهم إلى منازلهم سالمين.
ويتضح من هذه الإجراءات دور الحكومة المصرية في التوعية بخطورة الفيروس عبر وسائل الإعلام المختلفة، واساليب انتقال الوباء، وكيفية تجنب الإصابة، إلى جانب القيام بعدد من الإجراءات لتحقيق التباعد الاجتماعي، وعدم مخالطة المصابين حيث غلق المقاهي أوالنوادي والمؤسسات المختلفة ، أو تقليل الكثافات، والعلاج، إضافة إلى إعطاء اللقاحات.
كما حاولت الحكومة مراعاة البعد الاجتماعي ومساعدة بعض الفئات المتضررة جراء فيروس كورونا، سواء عن طريق المساعدة المادية، او تعليق سداد القروض….الخ.
وهو ما يبرز الدور المتميز للجكومة المصرية وأيضا بعض الحكومات العربية في التعامل مع ازمة فيروس كورونا.
غير أن للمؤسسات الأهلية والجهود الشعبية دور متميز لايمكن إنكاره في مواجهة انتشار فيروس كورونا ومعالجة تبعاته وهو ما نعرضه بمشيئة الله تعالى في المقال اللاحق.
دمتم بخير وفي حفظ الله ورعايته