الصحة والطب

أبطال المشهد الأخير بمستشفيات العزل.. قصة “ممرضة وعامل” يغسلان موتى كورونا.

لـ60 يومًا ظل مستشفى النجيلة بمطروح دون حالات وفاة بين المصابين بفيروس كورونا المستجد منذ تخصيصه للعزل بداية فبراير الماضي، قبل أن تُسجل أول حالة وفاة لسيدة من الإسكندرية، ومعها ساد الحزن، لأول مرة، أرجاء المستشفى، بالنظر إلى تلك الظروف التي أحاطت بالحالة بعد رفض أسرتها تسلمها في البداية.

في تلك الأثناء، جرت المداولات بين الأطباء والعاملين على طريقة التغسيل والتكفين، ومن يتولى هذه المهمة الجديدة؛ إذ لم يضم المستشفى مُغسلًا خاصًا لحالات الوفاة.

بعد ساعات تطوعت مروة علي، مشرفة التمريض، ومختصة التخدير، رشا عبدالفتاح، لإتمام الإجراءات: “ظروف السيدة أثرت فينا جميعًا، وقررنا نتولى مهمة تغسيلها”.

تقول مشرفة التمريض إن القرار لم يكن صعبًا عليها على وجه التحديد “لقينا الناس مقلّقة شوية لأنها أول حالة وفاة. قلت ربنا مش هيخذلني طالما حاجة لوجه الله وخدنا القرار”.

1

سارعت مروة إلى قراءة بروتوكول تغسيل موتى كورونا، والاستفسار عن الإجراءات الشرعية في الغسل خاصة أنها المرة الأولى التي تتصدى فيها لهذا العمل: “حاولت أجيب مصادري من كذا مكان، وعرفت إن المتوفى بيتغسل عادي زي أي متوفى بس معاه بروتوكول معيّن وإجراءات وقاية أكثر”.

ارتدَتا المستلزمات الوقائية “البدلة الصفراء، الجاون، والماسك، والنظارة، والجوانتي شديد التحمل”، وأشرف أطباء مكافحة العدوى على عملية ارتداء تلك الملابس الوقائية وتنفيذ إجراءات الغسل والتكفين وفقًا لتعليمات الوزارة.

دخلتا معا، وشاهدتا لأول مرة متوفاة كورونا، وكان منظرا له وقع خاص: “طول الوقت بنشوف حالات الحوادث، وبنكون مع حالات في لحظاتها الأخيرة، لكن تدخل تعمل التغسيل وتشوفه قدامك المريض اللي كنت بتابعه، ومحدش حواليه يبص عليه النظرة الأخيرة، كان مشهد مؤثر فعلًا”

بعد الانتهاء، نُقلت السيدة لفناء المستشفى، وجرى أداء صلاة الجنازة عليها وفق الإجراءات الوقائية المتبعة لمنع نقل العدوى.

مشهد ترك قدرًا من الأسى على الفريق الطبي والعاملين على حد سواء، “جت من بلد تانية، ومحدش معاها وأسرتها تخلت عنها، ومش هيكون إحنا كمان”.

2

 

كررت طبيبة التخدير ومشرفة التمريض نفس الإجراءات مع 5 حالات وفاة لسيدات بالمستشفى، وشجّع ذلك ممرضات على مساعدتهن: “كذا ممرضة بنت تشجعوا وساعدونا في الحالات الأخرى”، فيما تكفل فني التمريض شريف هيبة بتنفيذ تلك الإجراءات لرجل توفي جراء إصابته بالفيروس.

قضت مروة قرابة 70 يومًا داخل عزل النجيلة؛ إذ كانت من طليعة الفريق الطبي الذي انضمّ إلى المستشفى فور تخصيصه لاستقبال الحالات بداية فبراير الماضي: “كنت في إجازة وتواصلت مع مدير المستشفى وقلت له أنا واحدة بتاعت شغل، وهفضل في المستشفى”.

3

لا تريد مروة جزاءً ولا شكورًا على ما تقدمه، بل بادرت فور اتصالنا بالقول: “إنت هتضيعلي كده الثواب اللي كنت بعمله”، وتأمل من ذلك أن يتحسن الوضع في القريب العاجل “بنقول يا رب رمضان يدخل علينا والدنيا تكون أحسن، والعيد ييجي والأزمة تكون خلصت”.

“الناس تغيّرت”

في مستشفى 15 مايو للعزل كان الوضع مختلفًا، فهناك أيمن عبدالمجيد، المسؤول عن ثلاجة حفظ الموتى، والذي تولى بدوره مهمة تغسيل وتكفين الضحايا.

يقول لمصراوي إنه تعامل مع قرابة 30 مُتوفًى خلال الشهر الذي تواجد داخل المستشفى، قبل أن يخرج لإجازة 14 يومًا ثم يعود الأسبوع المقبل لاستكمال مهمته.

يعمل أيمن في المستشفى منذ 7 سنوات، تعامل خلالها مع الكثير من حالات الوفاة، لكنه بات قلقًا مع أول حالة وفاة بكورونا منتصف مارس الماضي: “كنت عرقان جامد، وكان بينزل مني كمية كبيرة علشان الخوف، خاصة لما انتشر شائعات إن المتوفى بيعدي، لكن لما خلصت الحالة اتضح إن دا غير صحيح إطلاقًا”.

كانت منظمة الصحة العالمية قالت إن أجساد الموتى لا تنقل العدوى عموما، ولا يوجد دليل حتى الآن على إصابة أشخاص بالعدوى نتيجة التعرض لجثة شخص توفي بكورونا.

مع تسجيل أول حالة وفاة بالمستشفى، جاءت التعليمات واضحة لأيمن بضرورة ارتداء الملابس الوقائية، والإجراءات المناسبة للتعامل مع الحالات: “ألبس البدلة الصفراء والكزلك والنضارة و4 جوانتيات، والدكتورة قالت لي على إجراءات الوقاية والغسل”.

يقف أيمن وحيدًا داخل غرفة الغسل، ينفذ الإجراءات دون مساعدة من أحد: “كنت أدخل أطلع الجثة لوحدي، ومحدش بيدخل معايا من الأهل، خاصة أن أغلب الحالات بتخاف”.

يجرى تنفيذ إجراءات الغسل العادية، ويكون “الكفن 3 طبقات، ثم كيس بلاستيكي كاتم للسوائل، على أن يتم وضع الجثمان في تابوت خشبي أثناء الذهاب للدفن”.

شعر أيمن خلال الشهر الأخير أن “أخلاق الناس تغيّرت كثيرًا”، مرجعًا ذلك إلى المواقف التي لمسها في الرحلة الأخيرة للمتوفين بكورونا “المرض خلى ناس كتير بانت على حقيقتها؛ أحد المتوفين قعد 5 أيام لغاية ما أهله جم يستلموه، والكثير من الحالات يرفضون إلقاء نظرة الوداع على الجثمان، وينتظرون حتى أنتهي وأخرج لهم بالحالة على الترولي”.

في العموم هذه المواقف لا تترك أثرًا كبيرًا في أيمن “أنا قلبي جامد”، لكنه مع ذلك يتخذ المزيد من الاحتياطات بعد عودته إلى منزله “والدتي سيدة كبيرة، ولا أختلط معها إطلاقا إلا في الأكل فقط وبمسافة كبيرة”، ويأمل أن يتم تعيينه؛ إذ يعمل بعقد مؤقت حتى الآن.

مصراوي.

إغلاق