ما بين عامي 1847 و1878، حاول حاكمان لمصر هدم الأهرامات والاستفادة من حجارتها لبناء القناطر الخيرية.. لكنهما تراجعا في اللحظة الأخيرة بناء على نصيحة من خبراء إنجليز وفرنسيين.
هذه القصة رواها الباحث في التاريخ شعيب عبد الفتاح، قائلاً إن محمد على باشا والي مصر قرر في العام 1847 بناء القناطر الخيرية لتسهيل عملية نقل مياه النيل للمحافظات والاستفادة منها في زراعة 4 مليون ونصف فدان جديدة تزيد من الرقعة الزراعية للبلاد، وخصص أموالاً طائلة لبناء هذا المشروع الكبير.
ولهذا الغرض، استعان محمد علي بخبير ومهندس إنجليزي اسمه لينان. وضِع حجر الأساس للمشروع الكبير، وأنفق عليه والي مصر مبلغاً كبيرا بلغ مليونا و330 ألف جنيه، وهو مبلغ ضخم بمعايير ذلك الزمان. وعندما انتهت الأموال المخصصة للمشروع، طلب الخبير الإنجليزي مبلغا آخر لشراء أحجار يمكن إكمال المشروع بها، لكن محمد علي رفض.
وقال محمد علي للمهندس الإنجليزي إنه لا يملك أموالا أخرى وطلب منه هدم الأهرامات والاستفادة من حجارتها في بناء القناطر الخيرية، حيث كان يرى أن بناء القناطر أهم من وجود الأهرامات. لكن الخبير الإنجليزي رفض طلب محمد علي لوعيه وإدراكه بقيمة الأهرامات كأثر تاريخي.
وبرر الخبير الإنجليزي لمحمد علي رفضه بأسباب اقتصادية حيث أخبره أن نقل الحجر الواحد من الأهرامات لموقع المشروع الجديد يكلف الدولة مبلغا قدره 10 قروش، فيما يتكلف نقل الحجر الواحد من منطقة المحاجر بطرة جنوب القاهرة مبلغا قدره 7 قروش ونصف، فاقتنع محمد علي بالفكرة، وخصص مبلغاً لشراء الأحجار من طرة، كما أنشأ خط سكة حديد لنقل محاجر طرة حتى نهر النيل.
وتوفي محمد علي باشا بعد عام واحد فقط من وضع حجر الأساس للمشروع، وكان ذلك في العام 1848 وخلفه نجله الخديوى عباس حلمى الأول الذي كان يؤيد فكرة والده بهدم الأهرامات والاستفادة من أحجارها في بناء القناطر.
ولمحاولة تنفيذ فكرته، استعان الخديوي عباس بالمهندس الفرنسي موجيل بدلا من المهندس الإنجليزي، وألحّ عليه لإنجاز هذا المشروع الضخم حتى لا تضيع الأموال الطائلة التي أنفقت عليه سدى، وقال له: “لا أدري ما الفائدة من وجود تلك الجبال من الصخور المرصوصة فوق بعضها، فاذهب واهدمها واستخدم حجارتها في إتمام عمل القناطر”، حسب ما أكده عبد الفتاح.
إلا أن المهندس الفرنسي كانت لديه خلفية كبيرة عن قيمة الأهرامات وتاريخها فقال للخديوي إنه يرفض تنفيذ هذا الأمر حتى لا ينعت على مر العصور بأنه “هادم الأهرامات”، مضيفاً أنه كلّما فكر في هذا الأمر “يقف شعر رأسه رعبا”، وهو ما اضطر الخديوي عباس للموافقة على استكمال البناء من خلال ميزانية الدولة بعد أن أقنعه الخبير الفرنسي.
واستمر العمل في بناء القناطر حتى توفي عباس حلمي وخلفه الخديوي سعيد الذي عارض تماما فكرة هدم الأهرامات واستقطع من ميزانية الدولة لإكمال بناء القناطر الخيرية حتى تم افتتاحها رسميا في العام 1878 أي بعد 30 عاما من وفاة محمد علي.
وأوضح عبد الفتاح أن “محمد علي وأبناؤه تحمّسوا لبناء القناطر الخيرية لما لها من فوائد كبرى في ترشيد استخدام مياه النيل وري أربعة ملايين من الأفدنة، ومنع استمرار انصراف مياه فرع دمياط إلى فرع رشيد لانخفاض مجراه عن فرع دمياط، والاستغناء عن 25 ألف ساقية وشادوف”.
وتابع: “مع مرور الوقت، تم تطوير القناطر وأطلقت المياه بالرياح التوفيقي في 2 يناير/كانون الثاني 1890 وافتتح رسمياً بحضور الخديوي توفيق في 11 فبراير/شباط 1890. وأصبحت القناطر الخيرية أحد أهم معالم مصر المائية والتراثية إلى جانب الأهرامات”.
العربية